الرئيسية
سيرة الشيخ
سجل الزوار
القائمة البريدية
راسل مشرف الموقع
خريطة الموقع
 |
 |
|
 |
 |
|
 |
 |
|
 |
 |
|
 |
12-30-1439 04:13 PM
أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ
إِنَّ الْحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم. أَمَّا بَعْدُ..
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ، إِنَّ الْإِيمَانَ لَهُ سِتَّةُ أَرْكَانٍ، يَتَرَكَّبُ مِنْهَا، وَيَزُولُ بِزَوَالِهَا أَوْ بِزَوَالِ وَاحِدٍ مِنْهَا. وَهِيَ: الْإِيمَانُ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.
فَأَمَّا الْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ فَهُوَ التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَكُونُ بَعْدَ الْـمَوْتِ فِي الْبَرْزَخِ مِنْ سُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ. وَبَعْثِ هَذِهِ الْأَجْسَادِ. وَإِعَادَتِهَا كَمَا كَانَتْ أَجْسَادًا بِعِظَامِهَا وَأَعْصَابِهَا، وَالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وَالْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ.
قَالَ الله تَعَالَى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْـمَشْرِقِ وَالْـمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْـمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 177].
مَعْشَرَ الْـمُسْلِمِينَ.. إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا أَنْ نَتَّقِيَ النَّارَ الَّتِي أَعَدَّهَا لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْكُفَّارِ، وَالْـمُنَافِقِينَ -أَعَاذَنَا الله مِنْهَا وَجَمِيعَ الْـمُسْلِمِينَ- وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿130﴾ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴿131﴾ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ].
إِخْوَانِي فِي الله:.. اتَّقُوا النَّارَ، اتَّقُوا النَّارَ، اتَّقُوا النَّارَ فَإِنَّهَا دَارُ الْبَوَارِ، دَارُ الْبُؤْسِ وَالشَّقَاءِ، دَارُ الْخِزْيِ وَالْعَارِ، دَارُ عِقَابِ الله وَعَذَابِهِ يُؤْتَى بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا. حَرُّهَا شَدِيدٌ، وَقَعْرُهَا بَعِيدٌ.
رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ الله عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَارُ ابْنِ آدَمَ الَّتِي يُوقِدُونَ مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَإِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، قَالَ: «فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ].
وَعَنْهُ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْنَا وَجْبَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا -يَعْنِي سَبْعِينَ سَنَةً- فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
عِبَادَ الله.. تَأَمَّلُوا حَالَ أَهْلِ النَّارِ فِي جَهَنَّمَ، وَقَدْ أَصْبَحُوا يَتَقَلَّبُونَ فِي أَنْوَاعِ الْعَذَابِ، وَيُعَانُونَ فِي جَهَنَّمَ مَا لَا تُطِيقُهُ الْجِبَالُ. وَمَا يُفَتِّتُ ذِكْرُهُ الْأَكْبَادَ. يَقْتَحِمُونَ إِلَى جَهَنَّمَ اقْتِحَامًا.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «يُقَالُ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ عَطِشْنَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ».
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَنَسُوقُ الْـمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مَرْيَمَ]، وَيَتَجْلَجَلُونَ فِي مَضَائِقِهَا. وَيَتَحَطَّمُونَ فِي دَرَكَاتِهَا. وَيَضْطَرِبُونَ بَيْنَ غَوَاشِيهَا. وَيَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ. وَلَا تَسْأَلْ عَمَّا يُعَانُونَهُ مِنْ ثِقَلِ السَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ.
قَالَ الله تَعَالَى: ﴿إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ﴿71﴾ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾ [غَافِرٍ]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [سَبَأٍ: 33]، وَقَالَ: ﴿مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ [إِبْرَاهِيمَ]، وَقَالَ: ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ﴾ [الْحَاقَّةِ] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُسْلَكُ فِي دُبُرِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ مِنْخَرَيْهِ حَتَّى لَا يَقُومَ عَلَى رِجْلَيْهِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ، قَالَ: «مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ فِي النَّارِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْـمُسْرِعِ». وَقَالَ جُوَيْبِرٌ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى: ﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾ [الرَّحْمَنِ] قَالَ: يُجْمَعُ بَيْنَ نَاصِيَتِهِ وَقَدَمَيْهِ فِي سِلْسِلَةٍ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ [الْـمُؤْمِنُونَ: 104] عَنْ أُبَيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَشْوِيهِ النَّارُ فَتَقَلَّصُ شَفَتُهُ الْعُلْيَا حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ. وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ السُّفْلَى حَتَّى تَضْرِبَ سُرَّتَهُ» [خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ].
﴿قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ﴾ [الْحَجِّ: 19] عَلَى قَدْرِ أَبْدَانِهِمْ لَا تَقِيهُمْ حَرَّ جَهَنَّمَ، وَلَكِنْ تَزِيدُهَا اشْتِعَالًا فِيهَا وَحَرَارَةً. و﴿سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ [إِبْرَاهِيمَ] فِي عَذَابٍ مُسْتَمِرٍّ دَائِمٍ، لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلَهُمُ الله جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ. وَكُلَّمَا خَبَتْ نَارُهَا زَادَهَا الله سَعِيرًا.
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيأْتِيهِ الْـمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 17] وَقَالَ: ﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا ولَا يَحْيَا﴾ [الْأَعْلَى] وَقَالَ: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ولَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ [فَاطِرٍ: 36] وَقَالَ: ﴿أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 23]، وَقَالَ: ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا﴾ [النَّبَأِ].
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ الله عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ: يَا أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ فَكُلٌّ خَالِدٌ بِمَا هُوَ فِيهِ».
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا بَقِيَ فِي النَّارِ مَنْ يَخْلُدُ فِيهَا، جُعِلُوا فِي تَوَابِيتَ مِنْ نَارٍ، فِيهَا مَسَامِيرُهُ مِنْ نَارٍ. ثُمَّ جُعِلَتْ تِلْكَ التَّوَابِيتُ فِي تَوَابِيتَ مِنْ نَارٍ، ثُمَّ قُذِفُوا فِي نَارِ الْجَحِيمِ. فَيَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يُعَذَّبُ فِي النَّارِ غَيْرُهُمْ. ثُمَّ تَلَا ابْنُ مَسْعُودٍ: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ].
أَيُّهَا الْـمُؤْمِنُونَ: بِذَلِكَ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. بِتَحْقِيقِ شَهَادَةِ أَنْ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» وَشَهَادَةِ «أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله» وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُمَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، سِرًّا وَجَهْرًا، قَوْلًا وَعَمَلًا وَاعْتِقَادًا.
وَأَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ بِالْـمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، جَمَاعَةً مَعَ الْـمُسْلِمِينَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ» وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَأَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ بِأَدَاءِ زَكَاةِ أَمْوَالِكُمْ، بِأَدَاءِ زَكَاةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ مِنَ التَّمْرِ وَالْأَعْنَابِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ.
وَأَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ بِالْأَمْرِ بِالْـمَعْرُوفِ وَالِائْتِمَارِ بِهِ وَالنَّهْىِ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَالِانْتِهَاءِ عَنْهُ بِأَدَاءِ مَا أَوْجَبَ الله عَلَيْكُمْ فَإِنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْـمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْـمُنْكَرِ. مَا دَامَ قَادِرًا عَلَيْهِ.
إِنَّ التَّعَاوُنَ عَلَى الْبِرِّ وَفِعْلِ الْخَيْرِ. وَالتَّوَاصِيَ بِالْحَقِّ وَالْأَمْرِ بِالْـمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَاجِبٌ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهِ فَالْـمُؤْمِنُونَ مَا دَامُوا إِخْوَةً يَدًا وَاحِدَةً، وَمَا دَامُوا كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ وَكَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَاجِبٌ عَلَيْهِمُ التَّنَاصُحُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَالتَّوَاصِي بِالْحَقِّ، وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى قَطْعِ دَابِرِ الْفَسَادِ.
أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ بِمُوَالَاةِ وَمَوَدَّةِ الْآمِرِينَ بِالْـمَعْرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنِ الْـمُنْكَرِ، وَالدَّاعِينَ إِلَى الْخَيْرِ، الدَّاعِينَ إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ. فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الْإِيمَانِ وَاجْتَنِبُوا مُعَادَاتَهُمْ وَبُغْضَهُمْ وَإِيذَاءَهُمْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. فَإِنَّ ذَلِكَ ذَنْبٌ عَظِيمٌ وَإِثْمٌ كَبِيرٌ. قَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَحْذَرُ الْـمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ﴿64﴾ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴿65﴾ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التَّوْبَةِ].
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ. يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ يَا رَاحِمَ الْـمُذْنِبِ إِذَا انْطَرَحَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَأَنَابَ. نَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنَا مِنَ النَّارِ دَارِ السَّعِيرِ وَالدَّرَكَاتِ. وَأَنْ تَجْعَلَنَا مِمَّنْ يُكْرَمُ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ. يَا غَفَّارُ اغْفِرْ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ ذُنُوبَنَا وَارْحَمْ بِلُطْفِكَ مَوْتَانَا وَأَعِذْنَا وَإِيَّاهُمْ مِنْ دَارِ الْبَوَارِ. وَآتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ. بَارَكَ الله لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْـمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُواُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لله وَعَدَ مَنْ أَطَاعَهُ بِنَعِيمِ الْجِنَانِ. وَتَوَعَّدَ مَنْ جَحَدَهُ وَعَصَاهُ بِجَحِيمِ النِّيرَانِ مُظْهِرُ الْحَقِّ وَمُبْدِيهِ. الْغَنِيُّ عَنْ خَلْقِهِ فَلَا مَعَاصِيهِمْ تُنْقِصُ مُلْكَهُ وَلَا طَاعَتُهُمْ تَزِيدُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَدَّخِرُهَا لِيَوْمٍ يُنْصَبُ فِيهِ الْمِيزَانُ، وَتَزْفِرُ جَهَنَّمُ عَلَى أَهْلِ الْعِصْيَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم ، أَمَّا بَعْدُ.
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ، تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ النَّارِ وَمِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ فَلَقَدْ أُنْذِرْتُمْ مِنْهَا وَحُذِّرْتُمْ. مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامٌ.
رَوَى أَحْمَدُ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ. حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي أَقْصَى السُّوقِ لَسَمِعَهُ، وَسَمِعَ أَهْلُ السُّوقِ صَوْتَهُ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى وَقَعَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ».
مَعْشَرَ الْـمُؤْمِنِينَ: بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، بِحِفْظِ الْجَوَارِحِ الَّتِي ائْتُمِنْتُمْ عَلَيْهَا كَالْأَعْيُنِ حَتَّى لَا تَمْتَدَّ إِلَى النَّظَرَاتِ الْـمُحَرَّمَةِ، وَالْـمَرْئِيَّاتِ الْفَاجِرَةِ، بِحِفْظِ الْأَيْدِي حَتَّى لَا تَسْفِكَ الدَّمَ الْـمُحَرَّمَ. حَتَّى لَا تَسْطُوَ عَلَى خَلْقِ الله بِالْإِيذَاءِ وَالْإِجْرَامِ، بِحِفْظِ الْأَقْدَامِ حَتَّى لَا تَمْشِيَ إِلَى النَّزَوَاتِ الْـمُنْحَرِفَةِ وَالشَّهَوَاتِ الْـمُحَرَّمَةِ. بِحِفْظِ الْأَلْسُنِ حَتَّى لَا تَنْطِقَ بِقَرْضِ أَغْرَاضِ النَّاسِ وَسَبِّهِمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ جَارِحَةٍ يَسْتَعْمِلُهَا الْعَبْدُ فِي غَيْرِ طَاعَةِ الله تَعَالَى. تَشْهَدُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسُوءِ مَا عَمِلَ _ نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ....
عِبَادَ اللهِ.. أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ بِاجْتِنَابِ أَكْلِ الْحَرَامِ، أَكْلِ الرِّبَا فِي الْـمُعَامَلَاتِ وَالْعُقُودِ الْـمُحَرَّمَةِ. فِي أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، مِنَ الْغِشِّ فِي الْبُيُوعِ وَالْخِيَانَةِ وَالتَّطْفِيفِ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ. وَمِنْ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ الله وَرَسُولِهِ -نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ-.
أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، بِاجْتِنَابِ اسْتِعْمَالِ آلَاتِ اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ وَالْغِنَاءِ وَالْـمَزَامِيرِ وَمُخَالَطَةِ الرِّجَالِ لِلنِّسَاءِ، وَالنِّسَاءِ لِلرِّجَالِ. وَخَلْوَةِ الرَّجُلِ بِالْـمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، فَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَّ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْـمَعَازِفَ. وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ (يَعْنِي جَبَلٍ) يَرُوحُ عَلَيْهِ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ (يَعْنِي الرَّاعِيَ) يَأْتِيهِمْ (يَعْنِي الْفَقِيرُ) لِحَاجَةٍ، فَيَقُولُوا ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمُ الله وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ بِاجْتِنَابِ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَقَطِيعَةِ الْأَرْحَامِ، بِاجْتِنَابِ الْكَذِبِ وَالْخَدِيعَةِ لِلْـمُسْلِمِ. وَالتَّهَاجُرِ وَالتَّبَاغُضِ وَالتَّدَابُرِ وَالْبَهْتِ، وَالْغِيبَةِ وَالسُّخْرِيَةِ بِالْـمُسْلِمِينَ. وَقَذْفِ الْـمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْـمُؤْمِنَاتِ. أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ بِاجْتِنَابِ الْـمُحَرَّمَاتِ.
أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ بِأَدَاءِ أَمَانَةِ أَوْلَادِكُمْ مِنْ بَنِينَ، وَبَنَاتٍ. وَذَلِكَ بِتَرْبِيَتِهِمُ التَّرْبِيَةَ الدِّينِيَّةَ النَّافِعَةَ لَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ. مُرُوهُمْ بِالْتِزَامِ أُصُولِهِمُ الدِّينِيَّةِ الَّتِي هِيَ التَّمَسُّكُ بِكِتَابِ الله، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَاعْتِقَادُ مَا اعْتَقَدَهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ. فِيمَا نَالُوا بِهِ الْعِزَّةَ وَالْكَرَامَةَ، وَحَازُوا بِهِ شَرَفَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَأَغْلِقُوا عَنْهُمْ جَمِيعَ الْأَبْوَابِ الْعَائِدَةِ بِفَسَادِ عَقَائِدِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ. فَإِنَّهُمْ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِكُمْ. قَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التَّحْرِيمِ: 6].
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا: «الرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْـمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا».
وَرَوَى الْحَافِظُ: أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا دَفَعَ وَلَدَهُ إِلَى الْـمُؤَدِّبِ، قَالَ لَهُ: (لِيَكُنْ أَوَّلُ مَا تَبْدَأُ بِهِ مِنْ إِصْلَاحِ بُنَيَّ إِصْلَاحَ نَفْسِكَ فَإِنَّ أَعْيُنَهُمْ مَعْقُودَةٌ بِعَيْنِكَ فَالْحَسَنُ عِنْدَهُمْ مَا اسْتَحْسَنْتَ، وَالْقَبِيحُ عِنْدَهُمْ مَا اسْتَقْبَحْتَ).
وَقَالَ عَبْدُ الْـمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يَنْصَحُ مُؤَدِّبَ وَلَدِهِ: (عَلِّمْهُمُ الصِّدْقَ كَمَا تُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ وَاحْمِلْهُمْ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ. وَجَالِسْ بِهِمْ أَشْرَافَ الرِّجَالِ وَأَهْلَ الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَجَنِّبْهُمُ السِّفْلَةَ وَالْخَدَمَ فَإِنَّهُمْ أَسْوَأُ النَّاسِ أَدَبًا. وَوَقِّرْهُمْ مِنَ الْعَلَانِيَةِ وَأَنِّبْهُمْ فِي السِّرِّ، وَاضْرِبْهُمْ عَلَى الْكَذِبِ إِنَّ الْكَذِبَ يَدْعُو إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَدْعُو إِلَى النَّارِ).
عِبَادَ اللهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وَأَكْثِرُوا عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَاةِ يُعْظِمْ لَكُمْ رَبُّكُمْ بِهَا أَجْرًا. فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا».
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ وَهُدًى، اللَّهُمَّ وَأَصْلِحْ قُلُوبَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْـمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْـمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْـمُوَحِّدِينَ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ وَهُدًى، اللَّهُمَّ وَأَصْلِحْ قُلُوبَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ. اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ، اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ...إلخ. بَقِيَّةُ ص(619).
|
خدمات المحتوى
|
الشيخ/ عبدالله القرعاوي
تقييم
|
|
|
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.