في
الجمعة 19 شوال 1443 / 20 مايو 2022

جديد الخطب المكتوبة والرسائل
جديد الكتب
جديد الفتاوى
جديد الصوتيات

12-30-1439 04:17 PM

فِي أَحْكَاِمِ الْحَلِفِ وَالْيَمِينِ



الْحَمْدُ لله وَاسِعِ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ، أَمَرَ عِبَادَهُ الْـمُؤْمِنِينَ بِحِفْظِ الْأَيْمَانِ فَسُبْحَانَهُ مِنْ إِلَهٍ عَظِيمٍ قَامَ بِتَدْبِيرِ الْخَلَائِقِ وَلَا يُلْهِيهِ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، تَوَعَّدَ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَالْخُسْرَانِ. أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ شُكْرًا نَنَالُ مِنْهُ مَوَاهِبَ الرِّضْوَانِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ دَائِمُ الْـمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ، وَعَالِمُ الظَّوَاهِرِ وَمَا انْطَوَى عَلَيْهِ الْجِنَانُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ جَاهَدَ فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى قَرَّرَ قَوَاعِدَ الْمِلَّةِ وَأَشَادَ الْبَيَانَ. وَأَوْهَى بِنَاءَ الشِّرْكِ حَتَّى وَهِيَ وَهَانَ. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ وَالْإِحْسَانِ.
أَمَّا بَعْدُ...
أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَوْلَاكُمْ مِنْ جَزِيلِ فَضْلِهِ وَإِكْرَامِهِ وَبَسَطَ لَكُمْ مِنْ مَدِيدِ إِحْسَانِهِ وَإِنْعَامِهِ.
مَعْشَرَ الْـمُسْلِمِينَ... إِنَّ شَأْنَ الْيَمِينِ عِنْدَ الله عَظِيمٌ وَإِنَّ التَّسَاهُلَ بِهَا خَطَرُهُ جَسِيمٌ. فَالْيَمِينُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ كَلِمَةٍ تَمُرُّ عَلَى اللِّسَانِ. وَلَكِنَّهَا عَهْدٌ وَمِيثَاقٌ. يَنْتَهِي عِنْدَ حَدِّهِ. يَجِبُ أَنْ يُوَفَّى حَقَّهُ. عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رَضِيَ الله عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ. مَنْ حَلَفَ بِاللهِ فَلْيَصْدُقْ وَمَنْ حَلَفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَ الله» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ]. فَفِي هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ فَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِالْحَلِفِ بِاللهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ تَعْظِيمِهِ لِجَنَابِ الرُّبُوبِيَّةِ. إِذِ الْقَلْبُ الْـمُمْتَلِئُ مَعْرِفَةَ عَظَمَةِ الله وَجَلَالِهِ وَعِزَّتِهِ وَكِبْرَيَائِهِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَلَمَّا رَأَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلًا يَسْرِقُ فَقَالَ لَهُ سَرَقْتَ؟ قَالَ: (كَلَّا وَالله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللهِ وَكَذَّبْتُ عَيْنِي لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ فِي قَلْبِهِ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَحْلِفَ بِهِ أَحَدٌ كَاذِبًا. فَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ تُهْمَةِ الْحَالِفِ، وَتُهْمَةِ بَصَرِهِ فَرَدَّ التُّهْمَةَ إِلَى بَصَرِهِ. كَمَا ظَنَّ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صِدْقَ إِبْلِيسَ لَمَّا حَلَفَ لَهُ أَنَّهُ نَاصِحٌ.
عِبَادَ الله... وَقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [الْـمَائِدَةِ: 89] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ- رَضِيَ الله عَنْهُمَا- يُرِيدُ لَا تَحْلِفُوا. فَلَا يَنْبَغِي التَّسَرُّعُ فِي الْيَمِينِ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ. فَإِنَّ كَثْرَةَ الْحَلِفِ مِنْ صَفَاتِ الْكُفَّارِ وَالْـمُنَافِقِينَ. قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾ [الْقَلَمِ] وَقَالَ عَنِ الْـمُنَافِقِينَ: ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [الْـمُجَادَلَةِ]، وَقَالَ عَنْهُمْ: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ [الْـمُجَادَلَةِ: 16].
عِبَادَ اللهِ.. وَالْيَمِينُ هِيَ الْحَلِفُ بِأَسْمَاءِ الله تَعَالَى أَوْ صِفَاتِهِ. نَحْوَ وَالله، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، أَوْ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ أَوِ الْحَلِفُ بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ.
وَأَمَّا الْحَلِفُ بِغَيْرِ الله أَوْ صِفَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ بَلْ شِرْكٌ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الله فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ»، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا»، [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ]. وَقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لله أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 22]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ – رَضِيَ الله عَنْهُمَا- هُوَ أَنْ تَقُولَ «وَحَيَاتِكَ وَحَيَاتِي». فَلْيَحْذَرْ مَنْ يَحْلِفُ بِالشَّرَفِ أَوْ بِالنَّبِيِّ أَوْ بِالْأَمَانَةِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ أَوِ الْأَصْغَرِ لِيَحْذَرْ مِنْ ذَلِكَ. وَلَا يَحْلِفْ إِلَّا بِاللهِ. وَلَا يَحْلِفْ إِلَّا بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى لَا يُشْرِكَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
عِبَادَ الله... وَالْيَمِينُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ.
الْأَوَّلُ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَسُمِّيَتْ بِالْغَمُوسِ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ. وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ الْـمَرْءُ مُتَعَمِّدًا الْكَذِبَ فِي مَجَالِ الْخُصُومَاتِ وَالتَّقَاضِي فَيَحْلِفُ الْخَصْمُ لِيَكْسَبَ الْقَضِيَّةَ وَيَتَغَلَّبَ عَلَى خَصْمِهِ بِالْبَاطِلِ دُونَ مُبَالَاةٍ بِحُرْمَةِ الْيَمِينِ وَالْجَرَاءَةِ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقِّهِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» قَالَ عَبْدُ الله: ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ الله وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آلِ عِمْرَانَ]. زَادَ فِي رِوَايَةٍ بِمَعْنَاهُ: قَالَ فَدَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ قُلْنَا: كَذَا وَكَذَا قَالَ: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: (كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» قُلْتُ: إِنَّهُ إِذَنْ يَحْلِفَ وَلَا يُبَالِيَ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» وَنَزَلَتِ الْآيَةُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 77] [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا]. وَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ» قَالُوا: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا قَالَ: «وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ] وَفِي رِوَايَةِ الْـمُوَطَّأِ: «وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ، وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ، وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. أَلَا فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ الله فَإِنَّ تَقْوَاهُ وِقَايَةٌ مِنْ عَذَابِهِ وَاحْذَرُوا التَّسَاهُلَ بِالْيَمِينِ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِغَضَبِ الرَّبِّ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ. تَدَبَّرُوا كِتَابَ رَبِّكُمْ وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَعِتَابِهِ فَإِنَّهُ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَالصِّرَاطُ الْـمُسْتَقِيمُ. قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ الله وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آلِ عِمْرَانَ].
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ بَارَكَ الله لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْـمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لله الْـمَلِكِ الْجَلِيلِ الْهَادِي إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ. أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ حَثَّ عِبَادَهُ عَلَى الْتِزَامِ الصِّدْقِ وَوَعَدَهُمُ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى الله وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ..
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ.. وَقِّرُوا الْيَمِينَ بِاللهِ فِي خُصُومَاتِكُمْ وَفِي بَيْعِكُمْ وَشِرَائِكُمْ فَإِنَّهُ قَدْ شَاعَ بَيْنَ النَّاسِ الْحَلِفُ أَثْنَاءَ الْـمُبَايَعَاتِ لِإِقْنَاعِ الْـمُشْتَرِي بِجَوْدَةِ السِّلْعَةِ أَوْ بِسِعْرِهَا وَقَدْ تَصِلُ الْحَالُ بِبَعْضِهِمْ إِلَى الْحَلِفِ بِأَيْمَانِ الطَّلَاقِ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ. كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ تَرْوِيجِ السِّلْعَةِ. أَلَا فَلْيَعْلَمْ مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِنْ أَسْبَابِ كَسَادِ بِضَاعَتِهِ وَبَوَارِ تِجَارَتِهِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ- رَضِيَ الله عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ»، وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: «الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ»، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: «مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ» وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَحْلِفُ أَنَّهُ أَعْطَى بِالسِّلْعَةِ أَوِ الْبِضَاعَةِ كَذَا وَكَذَا، أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِكَذَا وَكَذَا، وَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُرِيدُ التَّغْرِيرَ بِالْـمُشْتَرِي لِيُصَدِّقَهُ بِمُوجِبِ الْيِمِينِ. وَهَذِهِ الْيَمِينُ مِنَ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ- رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَقُلْتُ: خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «الْـمُسْبِلُ وَالْـمَنَّانُ وَالْـمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ»، وَفِي رِوَايَةٍ «أَرْبَعَةٌ يَبْغَضُهُمُ اللَّهُ. الْبَيَّاعُ الْحَلَّافُ». الْحَدِيثَ.
عِبَادَ اللهِ.. أَلَا فَاحْذَرُوا مِنَ الِاسْتِخْفَافِ بِالْيَمِينِ وَمِنَ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ لِأَنَّهَا لَا تَجْرِي فِيهَا الْكَفَّارَةُ. وَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهَا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ. لِأَنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. كُنَّا نَعُدُّ الْيَمِينَ الَّتِي لَا كَفَّارَةَ فِيهَا الْيَمِينَ الْغَمُوسَ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ. وَذَلِكَ لِيَعْظُمَ ذَنْبُهَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى أَخْذِ حَقِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِالْبَاطِلِ.
عِبَادَ اللهِ.. ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فَأَكْثِرُوا عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَاةِ يُعْظِمْ لَكُمْ رَبُّكُمْ بِهَا أَجْرًا. فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا».. إلخ. بَقِيَّةُ ص (619).

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 3215


خدمات المحتوى
  • مواقع النشر :
  • أضف محتوى في Digg
  • أضف محتوى في del.icio.us
  • أضف محتوى في StumbleUpon
  • أضف محتوى في Google
  • أضف محتوى في Facebook


الشيخ/ عبدالله القرعاوي
تقييم
1.00/10 (9 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.