في
الجمعة 19 شوال 1443 / 20 مايو 2022

جديد الخطب المكتوبة والرسائل
جديد الكتب
جديد الفتاوى
جديد الصوتيات

12-30-1439 04:19 PM

فِي أَحْكَامِ الْيَمِينِ الْـمُنْعَقِدَةِ



الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِحِفْظِ الْيَمِينِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. إِلَهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَقَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بَلَّغَ الْبَلَاغَ الْـمُبِينَ صَلَّى الله وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْأَنْصَارِ مِنْهُمْ وَالْـمُهَاجِرِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ...
فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ.. اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى فَقَدْ فَازَ الْـمُتَّقُونَ فَاتَّقُوا رَبَّكُمْ تَرْتَقُوا، وَنَجَا الْـمُتَخَفِّفُونَ فَتَخَفَّفُوا مِنَ الذُّنُوبِ تَلْحَقُوا. وَجَاءَتِ الْبِشَارَةُ لِلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ فَكُونُوا مِنْهُمْ تَسْعَدُوا.
مَعْشَرَ الْـمُسْلِمِينَ.. قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الْـمَائِدَةِ].
عِبَادَ الله.. قَدْ جَعَلَ الله الْكَفَّارَةَ عَلَى الْيَمِينِ الْـمُنْعَقِدَةِ. وَأَمَّا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ فَإِنَّهَا لَا كَفَّارَةَ فِيهَا. وَذَلِكَ لِيَعْظُمَ ذَنْبُهَا لِأَنَّهَا مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مِنَ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْيَمِينُ بِالْغَمُوسِ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ. وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ الْـمَرْءُ مُتَعَمِّدًا الْكَذِبَ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْيَمِينِ وَهِي الْيَمِينُ الْـمُنْعَقِدَةُ. وَهِيَ الَّتِي يَقْصِدُ الْحَالِفُ عَقْدَهَا عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ كَأَنْ يَقُولَ الْـمُسْلِمُ: (وَالله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا. أَوْ وَالله لَا أَفْعَلُ كَذَا) فَهَذِهِ يُؤَاخَذُ فِيهَا الْحَانِثُ (وَالْحَانِثُ) الَّذِي لَمْ يَفِ بِمُوجِبِهَا قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [الْـمَائِدَةِ: 89] وَحُكْمُهَا: أَنْ مَنْ حَنِثَ فِيهَا أَثِمَ. وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لِذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَهَا سَقَطَ الْإِثْمُ عَنْهُ وَزَالَ.
عِبَادَ الله.. وَتَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ وَالْإِثْمُ عَلَى حَالِفِ الْيَمِينِ بِأَمْرَيْنِ.
الْأَوَّلُ: أَنْ يَفْعَلَ الْـمَحْلُوفَ عَلَى فِعْلِهِ. أَوْ يَتْرُكَ الْـمَحْلُوفَ عَلَى تَرْكِهِ. أَوْ يَفْعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ. أَوْ يَتْرُكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ وَلَكِنْ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا. لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».
الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَثْنِيَ حَالَ حَلِفِهِ بِأَنْ يَقُولَ: إِنْ شَاءَ الله أَوْ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. إِذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْـمَجْلِسِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إِنْ شَاءَ الله لَمْ يَحْنَثْ» [رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ] وَقَالَ: رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَإِذَا لَمْ يَحْنَثْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ.
عِبَادَ الله.. يُسْتَحَبُّ لِلْـمُسْلِمِ إِذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْخَيْرِ أَنْ يَأْتِيَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ. لِقَوْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الْبَقَرَةِ] أَيْ: لَا تَجْعَلُوا أَيْمَانَكُمْ بِاللهِ تَعَالَى مَانِعَةً لَكُمُ الْبِرَّ وَصِلَةَ الرَّحِمِ إِذَا حَلَفْتُمْ عَلَى تَرْكِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْـمَسَاكِينَ وَالْـمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ الله وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ الله لَكُمْ﴾ [النُّورِ: 22] فَالِاسْتِمْرَارُ عَلَى الْيَمِينِ إِثْمٌ لِصَاحِبِهَا مِنَ الْخُرُوجِ مِنْهَا بِالتَّكْفِيرِ. وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ- رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي وَالله إِنْ شَاءَ الله لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا» وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ زَهْدَمِ بْنِ مُضَرِّبٍ الْجَرْمِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى فَدَعَا بِمَائِدَةٍ وَعَلَيْهَا لَحْمُ دَجَاجٍ فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ الله أَحْمَرُ شَبِيهٌ بِالْـمَوَالِي فَقَالَ لَهُ: هَلُمَّ فَتَلَطَّأَ، فَقَالَ لَهُ: فَقَالَ لَهُ: هَلُمَّ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ مِنْهُ. فَقَالَ الرَّجُلُ: رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ أَنْ لَا أَطْعَمَهُ فَقَالَ: هَلُمَّ أُحَدِّثْكَ عَنْ ذَلِكَ إِنِّي أَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ. فَقَالَ: وَالله لَا أَحْمِلُكُمْ. وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ. فَلَبِثْنَا مَا شَاءَ الله فَأُتِيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِنَهْبِ إِبِلٍ فَدَعَا بِنَا. فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى قَالَ: فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: أَغْفَلْنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَمِينَهُ- لَا يُبَارَكُ لَنَا فَرَجِعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله إِنَّا أَتَيْنَاكَ نَسْتَحْمِلُكَ وَإِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لَا تَحْمِلَنَا ثُمَّ حَمَلَتْنَا. أَفَنَسِيتَ يَا رَسُولَ الله قَالَ: «إِنِّي وَالله إِنْ شَاءَ الله لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. وَتَحَلَّلْتُهَا فَانْطَلِقُوا فَإِنَّمَا حَمَلَكُمُ الله عَزَّ وَجَلَّ». وَعَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله: أَرَأَيْتَ ابْنَ عَمٍّ لِي آتِيهِ أَسْأَلُهُ فَلَا يُعْطِينِي وَلَا يَصِلُنِي ثُمَّ يَحْتَاجُ إِلَيَّ فَيَأْتِينِي فَيَسْأَلُنِي وَقَدْ حَلَفْتُ أَنْ لَا أُعْطِيَهُ وَلَا أَصِلَهُ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَأُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِي» [رَوَاهُ النَّسَائِيُّ].
إِخْوَتِي فِي الله.. إِذَا حَلَفَ مُسْلِمٌ عَلَى أَخِيهِ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا سُنَّ لَهُ أَنْ يَبَرَّ قَسَمَهُ. وَأَنْ لَا يَتْرُكَهُ يَحْنَثُ إِذَا كَانَ فِي إِمْكَانِهِ فِعْلُ أَوْ تَرْكُ مَا حَلَفَ لَهُ عَلَيْهِ. لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: أَهْدَتِ امْرَأَةٌ إِلَيَّ تَمْرًا فِي طَبَقٍ فَأَكَلْتُ بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ فَقَالَتْ أُقْسِمُ عَلَيْكِ إِلَّا أَكَلْتِ بَقِيَّتَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَبِرِّيهَا فَإِنَّ الْإِثْمَ عَلَى الْـمُحَنِّثِ». وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ- رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ «وَذَكَرَ مِنْهَا» إِبْرَارَ الْـمُقْسِمِ الْحَدِيثَ. وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتُبَايِعَنَّهُ قَالَ فَبَسَطَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَهُ قَالَ: فَقَالَ لَهُ هَاتِ أَبْرَرْتُ قَسَمَ عَمِّي. الْحَدِيثَ. وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ وَمَعَهُ غُنَيْمَاتٌ لَهُ فَقَالَ: بِكَمْ تَبِيعُ غَنَمَكَ هَذِهِ؟ بِكَذَا وَكَذَا؟ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَهَا فَانْطَلَقَ ابْنُ عُمَرَ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَمَرَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ خُذْهَا بِالَّذِي أَعْطَيْتَنِي قَالَ: حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَلَمْ أَكُنْ لِأُعِينَ الشَّيْطَانَ عَلَيْكَ وَأَنْ أُحَنِّثَكَ» [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ].
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ الله.. وَرَاقِبُوا اللَّهَ تَعَالَى وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ وَوَقِّرُوا الْيَمِينَ بِاللهِ فِي مُعَامَلَاتِكُمْ. عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ افْتَدَى يَمِينَهُ بِعَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ: وَرَبِّ هَذِهِ الْكَعْبَةِ لَوْ حَلَفْتُ حَلَفْتُ صَادِقًا إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ افْتَدَيْتُ بِهِ يَمِينِي. ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿224﴾ لَا يُؤَاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَالله غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [الْبَقَرَةِ].
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ. بَارَكَ الله لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْـمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لله الَّذِي ثَبَّتَ كَلِمَةَ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِ ذِي الْإِيقَانِ بِيَقِينِ الْإِيمَانِ كَمَا أَثْبَتَ الْأَرْضَ بِالْجِبَالِ وَأَرْسَاهَا وَأَضَلَّ عُقُولَ الْكَافِرِينَ وَأَعْمَى بَصَائِرَ الْـمُنَافِقِينَ فَأَدْبَرَتْ عَنِ الْإِيمَانِ فَلَمْ تُحِبَّهُ إِذْ دَعَاهَا وَأَضْعَفَ نُفُوسَ الْعَاصِينَ فَانْقَادَتْ لِأَدْنَى شُبْهَةٍ أَوْ شَهْوَةٍ دَعَاهَا إِلَيْهَا هَوَاهَا. فَسُبْحَانَهُ مِنْ إِلَهٍ عَظِيمٍ لَا يُمَاثَلُ وَلَا يُضَاهَى جَلَّ رَبًّا وَعَزَّ مَلِكًا وتَعَالَى إِلَهًا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةَ مَنْ عَرَفَ مَعْنَاهَا وَعَمِلَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِمُقْتَضَاهَا وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَيْرُ الْخَلِيقَةِ وَأَزْكَاهَا. نَبِيٌّ خَصَّهُ الله بِأَسْمَحِ الشَّرَائِعِ وَأَسْنَاهَا.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ عَضُّوا عَلَى سُنَّتِهِ بِالنَّوَاجِذِ وَتَمَسَّكُوا بِعُرَاهَا.
أَمَّا بَعْدُ..
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ.. إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وَرَحْمَتُهُ جَلَّ وَعَلَا سَبَقَتْ غَضَبَهُ. وَلَطَفَ سُبْحَانَهُ بِعِبَادِهِ وَيَسَّرَ شَرَعَ لِمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا أَنْ يَأْتِيَ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَيُكَفِّرُ. وَالْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِينِ إِطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. وَأَمَّا دَفْعُ الْقِيمَةِ عَنِ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ [الْـمَائِدَةِ: 89] وَهَذَا نَصٌّ ظَاهِرٌ فِي تَعْيِينِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالْعِتْقِ فَلَا يَحْصُلُ التَّكْفِيرُ بِالْقِيمَةِ لِأَّنَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ الَّذِي أَمَرَ الله تَعَالَى بِأَدَائِهِ. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَلَوْ جَازَتِ الْقِيمَةُ لَمْ يَكُنْ لِتَخْيِيرِهِ مَعْنًى وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَجِدْ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إِلَى الْصَوْمِ وَلَا يَنْتَقِلُ إِلَى الصَّوْمِ إِلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ أَوِ التَّحْرِيرِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ﴾ [الْـمَائِدَةِ: 89].
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: فَهُوَ لَغْوُ الْيَمِينِ. وَهِيَ مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِ الْـمُسْلِمِ بِدُونِ قَصْدٍ كَقَوْلِ لَا وَالله وَبَلَى وَالله. وَمِنْهَا أَنْ يَحْلِفَ الْـمُسْلِمُ عَلَى الشَّيْءِ يَظُنُّهُ كَذَا فَيَتَبَيَّنُ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ يَظُنُّ وَحُكْمُ هَذِهِ الْيَمِينِ أَنَّهَا لَا كَفَّارَةَ فِيهَا تَجِبُ عَلَى قَائِلِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [الْـمَائِدَةِ: 89] رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ الله عَنْهَا- قَالَتْ: (نَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ [الْـمَائِدَةِ: 89] فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لَا وَالله وَبَلَى وَالله)، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللهِ بِالْجِدِّ وَالتَّشْمِيرِ وَاسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ مِنَ التَّوَانِي وَالتَّقْصِيرِ، وَالِاسْتِعْدَادِ لِهَوْلِ الْيَوْمِ الْعَسِيرِ، وَالْإِنْصَافِ مِنَ النَّفْسِ قَبْلَ انْتِصَافِ الْحَاكِمِ الْعَدْلِ الْقَدِيرِ، وَتَصْحِيحِ الْعَمَلِ قَبْلَ عَرْضِهِ عَلَى النَّاقِدِ الْبَصِيرِ.
عِبَادَ اللهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.. إِلَخْ. فَأَكْثِرُوا عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَاةِ يُعْظِمْ لَكُمْ رَبُّكُمْ بِهَا أَجْرًا. فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»... إِلَخْ. بَقِيَّةُ ص (619).

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 3033


خدمات المحتوى
  • مواقع النشر :
  • أضف محتوى في Digg
  • أضف محتوى في del.icio.us
  • أضف محتوى في StumbleUpon
  • أضف محتوى في Google
  • أضف محتوى في Facebook


الشيخ/ عبدالله القرعاوي
تقييم
1.00/10 (9 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.